من زريبة الغليسي إلى دشمة العكيمي وصولا إلى الازرقين ومرورا بـ”يسلح” وعصر .. كيف تتعامل نقاط التفتيش مع سائقي شاحنات البضائع..؟
يمنات
فائز الأشول
مع انهيار النظام وطول أمد الحرب والأزمة المالية، تحولت البلد إلى إقطاعيات تحكم بشريعة الغاب. مليشيات وعصابات تنتهك النظام والقانون، وترتدي زي الأمن والجيش، وتتقلد الرتب من النجمة إلى الطير الجمهوري والسيفين والخط الأحمر. تمنح نفسها الأوسمة والنياشين لجهودها في النهب والسلب. من منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، وصولاً إلى العاصمة صنعاء، تستوقف سائقي الشاحنات المحملة بالصادرات والواردات التجارية أكثر من 50 نقطة تفتيش، وفي كل نقطة يتعرض السائقون لصنوف من المهانة والابتزاز، ويُجبرون على دفع مبالغ مالية تحت مسميات عدة، من رسوم جمارك وضرائب وتحسين، إلى “حق النقطة والقات والسيجارة”.
“الزريبة”
إختلف العميد هاشم الأحمر مع رئيس هيئة الأركان في قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي، فغادر اللواء 141 في مأرب منذ أشهر، لكنه لم يتخل عن كتبية الحماية أو الجباية في منفذ الوديعة، الذي يتقاسم إيراداته يومياً مع اللواء علي محسن الأحمر. ولم تتمكن توجيهات نائب رئيس الوزراء، عبد العزيز جباري، من إزاحة قائد الكتيبة، مجاهد الغليسي، الذي لا يعترف إلا بشرعية هاشم ومحسن. قبل عبور الشاحنات التجارية منفذ الوديعة إلى السعودية، يتوجب على كل سائق إدخال شاحنته إلى مايطلق عليها السائقون “زريبة الغليسي”. حوش كبير يزدحم بمئات الشاحنات يومياً، ويدفع كل سائق 10 آلاف ريال يمني مقابل الدخول إليه، بحجة التنظيم والتأكد من البيانات. تُحتجز الشاحانات في “الزريبة” من يومين إلى أسبوع، وكل سائق يخشى على بضاعته من التلف يتوجب عليه دفع 300 ريال سعودي بدون أي سند إلى يد الغليسي، الذي يوجه بعدها بخروج الشاحنة والتوجه إلى المنفذ.
مطار العرادة
عند خروج الشاحنات التجارية من الوديعة باتجاه اليمن، يسدد كل سائق رسوم الجمارك في المنفذ اليمني، لتكون في انتظاره 30 نقطة تفتيش تابعة لـ”الشرعية” و”المقاومة”، تتوزع على طول الطريق من الوديعة إلى مدينة الحزم في محافظة الجوف. في كل نقطة يُسأل السائق: “إيش محمل؟”، وبعد الإجابة وتفحص أوراقه والتأكد من صحتها، يُطلب منه “حق النقطة”. البعض يسلم مبلغاً من 1000 إلى 3000 ريال، ومن يتوسلهم بحجة “أنا إلا سائق” يُطلب منه “حق القات”، ومن يمتنع يُلزم بالنزول لتفتيش الشاحنة، وفي حال الرفض يصعد إلى جواره جندي من أفراد النقطة ليقتاده مع شاحنته إلى “مطار مأرب”. لا يوجد في المحافظة مطار، وإنما حوش يشبه “زريبة الغليسي”، تُحتجز فيه الشاحنات التي يمتنع سائقوها عن دفع الجبايات طواعية، ولا يُفرج عن كل شاحنة إلا بدفع 30 ألف ريال يمني، بدون أي سند، يتسلمها متنفذون يتبعون محافظ مأرب، سلطان العرادة.
دشمة العكيمي
تجتاز الشاحنات القادمة من السعودية والمحملة بالبضائع 29 نقطة. وفي النقطة الـ30 بحزم الجوف، يستوقفها ضباط وجنود ومسلحون تابعين للمحافظ، أمين العكيمي، المعين من الرئيس هادي. يترجل كل سائق من شاحنته، ويتوجه لسداد “رسوم تحسين” بقيمة 40 ألف ريال. كما تتوقف في نقطة الحزم القاطرات المحملة بالمشتقات النفطية والقادمة من مأرب وحضرموت وشبوة، لسداد “رسوم تحسين” في محافظة لم تشهد في تاريخها أي تحسين، ولا تزال الحزم، مركز الجوف، في شارع واحد نسبة الأتربة والحصى فيه تفوق مساحة الإسلفت، وتتناثر النفايات على جوانبه، وتنعدم فيه أشجار الزينة. لكن في دشمة مسلحي العكيمي، يتم سداد رسوم “التحسين” هكذا: قاطرة الغاز- 400 ألف ريال، قاطرة الديزل- 250 ألف ريال، قاطرة البنزين- 300 ألف ريال، قاطرة المازوت- 350 ألف ريال.
وبجوار نقطة التفتيش مجموعة من “المهربين”، ينتظرون القاطرات القادمة من المناطق التي تسيطر عليها “أنصار الله”، ويعرضون خدماتهم على السائقين لتحميل المشتقات النفطية من مصفاة مأرب، وموانىء وخزانات في حضرموت وشبوة خارجة عن سيطرة القوات الموالية لهادي. من 50 إلى 100 ألف ريال يمني يدفعها كل سائق مقابل تهريب قاطرته عبر طرق صحراوية، والعودة بها محملة إلى حزم الجوف، مع تحمل السائق نفقات المهرب الذي يرافقه من غذاء وقات وسيجارة من النوع الجيد إذا كان المهرب يدخن. وفي حال رفض السائق دفع المال للمهربين، فإن رحلته محفوفة بالمخاطر؛ فالمهربون يتبادلون الخدمات مع قطاع الطرق، الأخيرون يتجنبون القاطرات عند مرافقة المهرب لها، إلا أنها تصبح عرضة للتقطع والنهب في حال عدم سداد “رسوم التهريب”.
بحثاً عن السلاح
مع دخول الشاحنات المناطق الخاضعة لسيطرة “أنصار الله” في سوق الإثنين بمديرية المتون في الجوف، تستوقفها أول نقطة تفتيش. لا يطلب مسلحو “أنصار الله” المال، ولكنهم يفتشون كل قطع الشاحنة بحثاً عن السلاح المهرب، كما يتولى مسلح في النقطة فحص خزانات الوقود وبراميل المشتقات النفطية بسيخ حديد يغمسه في داخلها، وكل مرافق لسائق شاحنة يخضع للاستجواب عن المنطقة التي قدم منها وعمله والوجهة التي يقصدها. وفي هذه النقطة، يتم احتجاز الكثير من المشتبه بهم بالقتال في صف “الشرعية”، كما تصادر فيها مئات من قطع السلاح وكميات من الذخائر يومياً، يهربها بعض السائقين في الشاحنات مقابل مبلغ من المال إلى المناطق الخاضعة لـ”أنصار الله”، وجميعها من مخازن المعسكرات التابعة لـ”الشرعية” و”التحالف”، والتي صارت مصدر ثراء للكثير ممن يقاتلون في صفها.
جمارك وتحسين
تتوالى إجراءات التفتيش في المناطق الخاضعة لـ”أنصار الله” وحلفائهم في مديرية المتون في الجوف، مروراً بمديريات حرف سفيان وحوث والصنعانية وخمر في محافظة عمران. ومع اقتراب الشاحنات من مدينة ريدة، تتوقف عدد من الشاحنات المحملة بالبضائع يومياً جوار محطة عياش. كل شاحنة تفرغ حمولتها إلى شاحنات صغيرة (دينات)؛ ففي نقطة الأزرقين، المدخل الشمالي للعاصمة صنعاء، يتم سداد جمارك لكل بضاعة للمرة الثانية بعد سدادها في منفذ الوديعة. الأولى تذهب إلى حساب هاشم الأحمر واللواء علي محسن، وجمارك “الأزرقين” إلى حساب حكومة الإنقاذ العاجزة عن صرف مرتبات الموظفين منذ خمسة أشهر. متوسط رسوم الجمارك التي يتم تحصيلها في نقطة الأزرقين ما بين مليون ومليونَي ريال يمني على كل شحنة بضائع. وبجوار مقلب القمامة القريب من النقطة، يدفع سائق كل شاحنة 16 ألف ريال “رسوم تحسين”.
إتاوات بالقوة
إستهدف طيران “التحالف” الذي تقوده السعودية ميناء الحديدة ومحيطه بسلسلة غارات، فتحولت حركة الملاحة التجارية صوب الموانئ الخاضعة لـ”الشرعية”، التي لاتفرج عن البضائع إلا بعد سداد الجمارك عليها. عدد من التجار في صنعاء شكوا، لـ”العربي”، سداد الجمارك مرتين؛ الأولى في ميناء عدن، والثانية في نقطة نقيل يسلح، المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء. كما كشفوا عن تسليمهم لكل سائق شاحنة مبلغاً من المال يتجاوز مليون ريال، يوزعها السائق على نقاط التفتيش التابعة لـ”الشرعية” أو “أنصار الله” أو متنفيذين ومليشيات أخرى، تحت مسميات عدة، ولا تصل بضائعهم إليهم إلا بعد دفع مبالغ كبيرة لا مشروعية لجبايتها وتحصيلها.
“حق القات”
في المدخل الغربي للعاصمة صنعاء، أكثر من 10 نقاط تفتيش من الصباحة إلى جولة عصر. يستوقف فيها الشاحانات القادمة من الحديدة جنود بزي الأمن المركزي والنجدة، ويُجبر كل سائق شاحنة بضائع على سداد 16 ألف ريال “رسوم تحسين”، و300 ريال “رسوم خدمات” من المجلس المحلي لمديرية معين. أما “حق القات والخدمة” فيؤكد عدد من السائقين، لـ”العربي”، أنه “في كل نقاط التفتيش في معظم مناطق اليمن، إذا لم يجدوا ذريعة علينا لدفع المال، فإن حق القات وحق الخدمة يكون مطلباً بديهياً”.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا